إن الحدود الحالية للجمهورية العربية السورية هي حدود حديثة أو وجدت في بدايات القرن العشرين، ووجدت من الضروري لنا نحن السوريون أخذ فكرة عن الحدود الحضارية لسوريا لا الحدود السياسية.
تتكون سوريا من مرتفعات وسهول تمتد من الشمال إلى الجنوب بمحاذاة شاطئ البحر الأبيض المتوسط, وتبدأ من الغرب بسهل خصيب يزيد ارتفاعه إلى الشرق حتى يبلغ 500 قدم، ويبلغ عرضه في بعض الأماكن ثمانية أميال، وتقع فيه مدن اللاذقية وطرابلس وبيروت، ويتلو هذا السهل جبال أعلاها جبلا كاسيوس الذي يبلغ ارتفاعه 5750 قدماً، وجبل صنين الذي يبلغ ارتفاعه 8780 قدماً، وتقع في جنوب هذه الجبال برية التيه. ثم تتلو سلسلة الجبال هذه جبال أخرى وهي تواجه لبنان وتمتد للجنوب إلى جبل حرمون، وتقع جنوبها جلعاد وموآب وآدوم، ثم تتلو هذه السلسلة مرتفعات جبال العرب، ثم يتلو هذه الجبال إلى الشرق أرض ضيقة مزروعة يجري فيها نهر أبانة (بردى) وهو مصدر حياة مدينة دمشق التي تقع في هذا الجزء، ثن يلي هذا بعض الأنهار والينابيع التي تتحكم الجبال في سيرها وكمية مياهها.
وكانت مساحة سوريا في عهد الامبراطورية الرومانية 109 ألف كيلو متر مربع وعدد سكانها في تلك الفترة (أي عام 14 م) 6 ملايين، فيما وصل عدد السكان في القرن الثاني بعد الميلاد بين 5 و6 مليون نسمة.
ويتضح مما ذكرناه أن سوريا كانت الشريط الساحلي لشرقي البحر الأبيض المتوسط وبعمق يتجاوز المئة كيلو متر، ولكن عدد السكان (قد) لا يمثل الحقيقة لأنه لا توجد أرقام موثوق بها حتى فترة القرن التاسع عشر والتي اعتمدت على عوائد الضرائب، فقد قدر العدد ما بين مليون و 1,864,000 نسمة، غير أن معظم تلك التقديرات قد تراوحت بين 1,250,000 و 1,450,000 ومع اندلاع الحرب العالمية الأولى ارتفع الرقم إلى ما يربو على 3.5 ملايين نسمة فيما يذكر أحد المصادر عدد السكان عام 1950 (3.3) ملايين نسمة.
إن رقعة سوريا تغيرت عبر التاريخ (حتى أنها كانت تشمل أحياناً ما بين النهرين وأرمينيا وبعض آسيا الصغرى وبعض بلاد العرب، وتضيق أحياناً عن هذه), كما ورد اسم ميزبانة (ولاية) آسورستان في نقش بهيستون العائد للامبراطور الفارسي الأخميني داريوس في القرن السادس قبل الميلاد دالة على ما يشكل حالياً سوريا والعراق ولبنان وفلسطين والأردن، وفي عهد السلوقيين خلفاء الاسكندر المقدوني (356-323 ق.م) شاع اسم سوريا، وشملت دلالته المساحة التي شملتها آسورستان وأسيريا في عهد الفرس الأخمينيين التي سادت بين القرن السابع قبل الميلاد وحتى هزيمة داريوس الثالث أمام الاسكندر 331 قبل الميلاد، وقد يكون تقلص الدلالة الجغرافية لسوريا واقتصاره على دلالة مصطلح (بلاد الشام)، أي باستثناء العراق الحالي من الدلالة الأقدم ناجماً عن تراجع حدود سوريا السلوقية أمام زحف الفرس الساسانيين 121 ق.م إلى غرب نهر الفرات.
أما في العهد البيزنطي فقد قسمت سوريا إدارياً إلى سوريا الأولى وعاصمتها أنطاكية وتشمل اللاذقية وجبلة وحلب وقنسرين، وسوريا الثانية وعاصمتها أفاميا وتشمل حماة والرستن وشيزر، وفينيقيا الأولى وعاصمتها صور وتشمل صيدا وبيروت وجبيل، وفينيقيا الثانية وعاصمتها حمص وتشمل دمشق ومنبج وتدمر، وإلى فلسطين الأولى (قيصرية) والثانية (بيسان) والثالثة (البتراء).
كما شهدت سوريا تقسيمات أخرى مثل سوريا المجوقة: السهل بين جبل لبنان الغربي والجبل الشرقي المقابل له (أنتي لبنان)، وسوريا الداخلة: منطقة غرب نهر الفرات وفلسطين ،وسوريا الخارجة: آشور وما بين النهرين.
وعند الفتح الإسلامي لسوريا في القرن السابع الميلادي (لم يكن يطلق الاسم إلا على القسم الغربي الأوسط من خارطة ديار الشام كما نعرفها، ويدخل في ذلك قسم من العراق) ، وفي العهد العثماني تطابقت دلالة الاسم الجغرافية مع دلالة بلاد الشام (فضمت ولايات حلب ودمشق وبيروت ومتصرفية لبنان والقدس)، ولكن اسم سوريا في العصر العثماني أطلق على ولاية ضمت فقط (شام شريف وحماة وحوران ومعان) وهذه لا تشكل إلا جزءاً صغيراً من المساحة السابقة الذكر، واقتصرت منذ عام 1946 على الجمهورية العربية السورية.
وفي القرن العشرين – وخاصة في النصف الأول منه – وضع مصطلح سوريا في أكثر من اتجاه يمكن إيراد ثلاثة منها:
• منطقة الهلال الخصيب إضافة إلى قبرص، وهو ما يفترضه الحزب القومي السوري لمفهومه للوحدة السورية ( منطلقاً من جبال طوروس في الشمال الشرقي إلى قناة السويس والبحر الأحمر السوري (المتوسط) في الغرب شاملة جزيرة قبرص إلى قوس الصحراء العربية وخليج العجم في الشرق، ويعبر عنه بلفظة الهلال الخصيب).
• مصطلح بلاد الشام الذي أطلقه الملك عبد الله بن الحسين ملك الأردن، ويشمل سوريا وفلسطين والأردن ولبنان وسمي سوريا الكبرى.
• المشروع الفرنسي الذي يهدف إلى تشكيل سوريا الكبرى وفقه امتداداً لثقافة فرنسا واقتصادها مستندة في ذلك إلى عمق تاريخي لها، كما قال مفكروها.
ونحن نرى أن سوريا الطبيعية سميت ببلاد الشام وهي التي قامت إلى الغرب من آسيا ممتدة شرقي البحر الأبيض المتوسط، من جبال طوروس شمالاً إلى صحراء سيناء وخليج العقبة جنوباً ومن الجزيرة والفرات وبادية الشام شرقاً إلى البحر المتوسط غرباً، وتضم هذه الرقعة الآن الجمهورية العربية السورية ولبنان وفلسطين والأردن وكيليكيا. ويبدأ خط حدود بلاد الشام جنوباً من ميناء العقبة ثم يتجه نحو الشمال الغربي حتى يصل إلى رفح، وهي آخر حدود بلاد الشام مع مصر، وعند الساحل من رفح وحتى مدينة طرسوس ( تقع الآن في تركيا وهي غير طرطوس السورية)، وينطلق خط الحدود الشرقي من العقبة حتى يصل إلى نهر الفرات عند مدينة الرحبة، ثم ينحرف ليصل إلى مرعش ومنها يتجه إلى طرسوس.
ويصل أقصى امتداد لهذه البلاد من الجنوب للشمال إلى ما يقارب 850 كم، وعرضها حوالي 750 كم، ومساحتها الإجمالية حوالي أربعمائة ألف كيلو متر مربع.