رحلة المعلمات اليومية بين السكن ومقر الوظيفة في السعودية، سجلت حتى اليوم نسبة كبيرة من حوادث المرور، بينتها الإحصائيات الرسمية، وأكدتها التقارير الصحفية التي تصور في كل صباح مقتل معلمة، أو إصابة أخرى، حتى تحولت هذه المشكلة إلى قضية رأي عام استلزمت حلاً سريعاً.. ومن ذلك انطلق قرار وزارة التربية لحماية المعلمات وتخليصهن من أعباء المواصلات والمخاطر التي تهدد حياتهن، والذي ينص على إلغاء قرار التعيين للمعلمة الجديدة التي ترفض السكن في مقر الوظيفة، أما المعلمات اللواتي سجلن سنوات من الخدمة في مدارس، وإن كانت بعيدة، فيترك لهن القرار بطلب النقل. ولرصد خلفيات القرار أجرت «سيدتي» التحقيق التالي.
.
الرياض: عبير بو حمدان حرب
للاطلاع على خلفيات القرار ونتائجه، سألت «سيدتي» مدير عام الإعلام التربوي والعلاقات العامة في وزارة التربية، الدكتور عبد العزيز الجار الله، الذي أكد أن هذا القرار وضع لمنع تنقلات المعلمات وسفرهن مسافات طويلة للوصول إلى مدارسهن، ويقول: «هناك معلمات يدرّسن في مدارس بعيدة جداً عن مناطقهن، بحيث يتعرضن في كل يوم ولو لحادث بسيط، وقد سجلت الإحصائيات نسبة كبيرة من حوادث المعلمات. وللحد من تلك الحوادث، وضعنا هذه الضوابط، وهي تحقق هذه النتيجة دون سواها، فلا نتائج سلبية لهذا القرار، ولابد من تطبيقه بحيث تصبح الوظيفة في أقرب مكان ممكن للمعلم أو المعلمة».
ولتوضيح المقصود بالسكن في مقر الوظيفة، أضاف الجار الله: «الوزارة لا تؤمن مساكن خاصة للمعلمات، ولكن يطلب منهن إما العمل في مدارس قريبة لمنازلهن (أي داخل منطقتهن) أو نقل مكان سكنهم إلى المنطقة حيث الوظيفة».
ونفى أن تكون هناك بعض الاستثناءات، وأضاف: «هناك الكثير من الوظائف الشاغرة، ويمكن للمعلمات أن يقدمن عليها، وتكون أقرب إلى مكان سكنهن من المدارس البعيدة التي يعلمن فيها، ولهذا فلا استثناءات».
وحول ما إذا أخلّت المعلمة بالعقد الذي تتعهد فيه بالسكن قريباً للوظيفة أو لم تتمكن من تنفيذه، أجاب: «لابد للمعلمة أن تتحمل مسؤولية ذلك، وهناك لائحة بالشروط والإجراءات التي تطلع عليها المعلمة مع العقد، ولاحقاً النتائج تحدد حسب الأوضاع».
وكانت وزارة التربية قد أكدت، على لسان أحد مسؤوليها، أنه تم تخصيص لجان لمتابعة آلية تطبيق القرار وتنفيذه، حسب ما خطط له، بهدف الحد من حوادث المعلمات، مشيراً إلى أنه جرى إلزام جميع المعلمات المعينات حديثاً، وأولياء أمورهن، بالتعهد خطياً على قرار السكن مع المحرم، في القرية أو المحافظة التي توجد فيها المدرسة الموجهة إليها المعلمة. وشدد على أنه سيتم إلغاء قرار التعيين للمعلمة التي ترفض السكن في مقر الوظيفة.
المعلمات والقرار.. ترحيب حذر
معظم المدارس التي سعينا إلى أخذ رأيها بقرار "الوزارة" تهربت من الإجابة، مبررة ذلك بعدم اطلاعها على القرار حتى الآن، وإحدى المدارس ردت بأن الوزارة أصدرت تعميماً يمنع معلماتها، أو حتى الإدارة، من التجاوب مع الإعلام، لكن بقيت هناك بعض المدارس التي أبدت تعاوناً وإيجابية كبيرة بالنسبة للموضوع.
القرار حل لمشكلات كثيرة
الأستاذة نورا، مديرة إحدى المدارس الابتدائية في الرياض، أكدت أن القرار لم يصل بعد إلى مدرستها، وتضيف: «نحن طرحنا هذا الموضوع منذ زمن، ونقلنا وجهة نظرنا للوزارة، لأن المسألة مهمة جداً، ونحن في المدارس الحكومية نعاني منها، ولدينا حالات كثيرة في المدرسة لمعلمات يسكن في أحياء من الرياض، تبعد مسافات كبيرة عن المدرسة، وهذا يؤثر على عملهن، ويؤدي إلى تأخرهن في الصباح، وعدم الالتزام بالوقت والحصص، ناهيك عن الحوادث التي تعترضهن وتهدد حياتهن يومياً، كما أن هناك معلمات يتغيبن عن المدرسة ويتحججن بالمرض أو التعب، لكنهن في الحقيقة يتهربن من مشكلة المواصلات».
وأكدت المديرة أن القرار إيجابي بالنسبة لتعيين معلمات جديدات، وتقول: «القرار يحل مشكلات كثيرة، فيوفر على المعلمات الضغط النفسي، والتعب الجسدي في كل يوم، كما يوفر عليهن تكاليف المواصلات والحوادث».
أجد الراحة النفسية هنا
الأستاذة جواهر، وكيلة في المدرسة، تقول: «أسكن في منطقة بعيدة جداً عن المدرسة، وأضطر في كل يوم أن أنطلق من منزلي عند الساعة السادسة صباحاً، وذلك حتى لا أتأخر على الدوام، فأنا أصل إلى المدرسة عند الساعة السابعة، والطريق الذي أسلكه كل يوم، من أكثر الطرق ازدحاماً، وقد شهدت عدة حوادث على الطريق نفسه، وذلك بسبب السرعة الجنونية والزحمة، حتى أنا تعرضت لحادث، لكنه كان خفيفاً».
وتتحدث جواهر عن بعض إيجابيات هذا القرار، وتؤكد: «القرار يحد من زحمة السير الخانقة، إذ هناك الآلاف من المعلمات اللواتي يدرّسن بعيداً عن مقر سكنهن، كما يخفف من نسبة حوادث السير، وقد يمنعها كلياً بالنسبة للمعلمات، بالإضافة إلى الراحة وغياب التوتر والقلق من التأخير».
أما بالنسبة للسلبيات فتقول: «أنا أتيحت لي فرص ووظائف قريبة من منزلي، لكنني لم أجد الراحة النفسية هناك، أما هنا، فعلى الرغم من الصعوبة التي أعانيها من المواصلات، لكنني مرتاحة جداً وسعيدة في هذه المدرسة، وأنا أؤدي عملي على أكمل وجه، لذا أجده أمراً سيئاً وسلبياً، إذ أنني منعت من العمل حيث أجد راحتي».
قلق وتساؤلات
المعلمة، نوال، مدرسة في إحدى مدارس نجران، تبدي قلقها من تأثير هذا القرار على حياتها، وتقول: «أنا لم أجد وظيفة قريبة لمنزلي، ثم تم قبولي للتعليم في إحدى المدارس، التي أقطع مسافات طويلة للوصول إليها، ولكنني قبلت بالوظيفة بسبب حاجتي إليها، ولا أستطيع أن أفرض على أهلي الانتقال من منطقتهم إلى مكان آخر غريب عليهم، فماذا يحدث إذا فصلوني بسبب ذلك؟ حتماً لهذا القرار سيئات لابد من مناقشتها، ولابد أن يكون هناك تقدير للظروف أو استثناءات».
مشكلة طلبات النقل
مديرة المتوسطة الأولى في صفوى، في المنطقة الشرقية، تقول: «لدينا معلمات من الدمام والجبيل، وتعاني سالكات طريق الجبيل/ صفوى من الضباب، مما يعرضهن للعديد من الحوادث، ويفرض عليهن التأخر عن الدوام أحياناً، وقد طلبت العديد من المعلمات نقلهن إلى مدارس أقرب من مكان سكنهن، لكن لم يحالفهن الحظ، فلدي معلمة تطلب النقل منذ خمس سنوات تقريباً، ولم تنله حتى اليوم، حتى أنا مديرة المدرسة، أسكن بعيداً عن المدرسة بحوالي 17 كلم، وهي مسافة متوسطة، لكنني تعرضت لبعض الحوادث التي كانت خفيفة».
وعن نفسها، تؤكد المديرة أنها لا ترغب بنقلها من المدرسة، وتضيف: «بالنسبة لي فالانتقال أمر مستبعد، لأنني قضيت سنوات طويلة في المدرسة ذاتها، وعلى الرغم من وجود وظائف قريبة من منزلي، لكنني أجد راحتي في هذه المدرسة، لكن الوضع مختلف بالنسبة للمعلمات الجديدات، اللواتي لم يعتدن بعد على المدرسة، وهن المعنيات بهذا القرار».
وبالنسبة لقرار الوزارة تقول: «هذا القرار إيجابي جداً، لأنه يوفر على المعلمة وعلى ولي أمرها أو زوجها الكثير من المخاطر التي تهدد حياتهم كل يوم، وهم يوصلونها إلى مدرستها، كما يخفف من القلق عليها، إذا تنقلت وحدها، هناك معلمات يتعرض زواجهن لخلل، أو حتى للانفصال، بسبب صعوبة الوظيفة، كذلك فإن الرواتب لا تفي بالغرض ولا تغطي تكاليف المواصلات الخاصة، وأيضاً لا ننسى أن هذه المسافات الطويلة ترهق المعلمة وتؤثر على عطائها».
هل من بديل؟
أكدت الاختصاصية الاجتماعية، وفا شما، أن إيجابيات هذا القرار تطغى على سلبياته، إذ من شأنه تنظيم حياة المعلمة، وإكسابها المزيد من الوقت والراحة، وتقول: «هذا قرار حكيم ومنصف، فالمصلحة العامة تقتضي وجود المعلمة في مدرسة قريبة من مقر سكنها، وهذا يساعد في حل العديد من المشكلات اليومية، وأولها حوادث السير، وهذا القرار سيريح المعلمات إلى حد كبير».
وأضافت: «من المهم في ذلك إيجاد فرص عمل بديلة قبل فصل المعلمة من وظيفتها، ومن المهم أيضاً ألا يكون هناك انتقاص من المركز أو الراتب الذي تتقاضاه المعلمة إذا ما تم نقلها، وأعتقد أنه إذا فكرت المعلمة بشكل جدي بهذا القرار، تجده منطقياً وإيجابياً جداً، فهو يوفر عليها الوقت والجهد والتوتر والحوادث، ويمنعها من التقصير في عملها».
أما عن السلبيات فتقول: «السلبية الثانية، بعد عدم توفر البدائل، يمكن أن تكون حين يطبق هذا القرار على معلمات قديمات في مدارسهن، بحيث تتأثر كل جوانب حياتهن، أما إذا طبق على الجديدات فلا ضرر فيه».
حوادث متفرقة
منذ بداية العام الحالي 2008م، وحتى اليوم، تم رصد عدد من الحوادث التي ذهب ضحيتها عدد لا يستهان به من المعلمات، نذكر منها:
حادث في نجران، أصيبت فيه ست معلمات، وآخر على الطريق السريع «الرياض – الطائف»، حيث أدت إغفاءة السائق إلى تعرض ثلاث معلمات لحادث سير، وعلى طريق «صبيا – العيدابي» أصيبت أربع معلمات، إصابة إحداهن خطيرة، وتوفي سائقهن وثلاثة من الشباب في حادث مروري أليم.
وهناك من الحوادث ما أدى إلى مصرع المعلمات، فمثلاً: الحادث الذي وقع بمحافظة عفيف، والذي أودى بحياة المعلمة منال سفر القثامي، وأصيبت معها المعلمتان وفاء غالب الدعجاني، وحنان الجعيد، وسائقهن. وفي حادث آخر على طريق «جدة – الليث» لقي معلمة مصرعها، وأصيب زوجها إصابة خطيرة. وعلى طريق «جدة – الطائف» لقيت معلمتان، وست طالبات، ومواطنان، حتفهم، إثر حادث مروري مروع.
آخر الإحصائيات
آخر إحصائية أجرتها إدارة المرور، حول حوادث المعلمات في السعودية على مدار ثلاث سنوات، بينت أن عدد الحوادث بلغ خلال هذه الفترة 119 حادثاً، وتوزعت كما يلي: في العام الأول بلغ عدد الحوادث 49 حادثاً، أصيب فيها حوالي 214 شخصاً، وتوفي 22. في العام الثاني، بلغ عدد الحوادث 37 حادثاً، عدد المصابين فيها 184 أما عدد المتوفين 107. وفي العام الثالث، انخفض عدد الحوادث إلى 33 وكان عدد المصابين 198 والمتوفين 11 فقط. وهذه الأعداد تتوزع بين المعلمات والسائقين والطرف الآخر من التصادم، وفي الدراسة تبين أن منطقة الرياض تشهد أعلى نسبة من حوادث نقل المعلمات، حيث بلغت 17.5 في المائة، بحيث يبلغ متوسط المسافة المقطوعة للرحلة المفردة للمعلمة يومياً 106.6 كيلومتر.
أسباب مختلفة للحوادث